تطور الحركة العلمية والفكرية عند قدماء المصريين:
- إن نشأة البحث العلمي قديمة قدم الإنسان على سطح الأرض، فمنذ أن خلق الله آدم، ونزوله الى الأرض، والإنسان يُعمل عقله وفكره ويبحث عن أفضل السبل لتحقيق وظيفة الاستخلاف التي خلق الله الإنسانَ من أجلها. قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}[1]، ومنذ ذلك اليوم، والإنسان يمارس المحاولات الدائبة للمعرفة وفهم الكون الذي يعيش فيه، من خلال الملاحظة والتحليل للبيئة التي تُحيط به، مع الترتيب الجيد للأحداث والظواهر البيئية، كمتابعة حركة سير النجوم والكواكب، وملاحظة تعاقب الفصول، وما ترافق معها من تحركات للكائنات الحية، وتعاقب دورة الحياة، وما يصاحبها من ظواهر طبيعية، كتساقط الأمطار أو هبوب الرياح واشتعال النيران بسبب الزلازل والبراكين. فكان يعمل على فهم مضمون ما حوله، وكثيراً ما كان يندفع الإنسان إلى البحث عن اساليب ووسائل تساعده على الوصول للمعرفة وتحقيقها، مستفيداً من طاقاته العقلية والجسدية، ما أتاح له القدرة على التأمل والاستنباط.
- وفي رحلة البحث عن تطور الحركة العلمية التي نحاول ان نتتبَّعها بإيجاز عبر عصور التاريخ البشري، فغاية ما يستطاع هو ذكر بعض معالم أو مراحل التطور في مجال البحث العلمي للحضارات الإنسانيّة التي مرّت على كوكب الأرض، لنتفهم السياق التاريخي للأحداث، ولنتعرف الى البدايات الأولى خلال عصور المَعرفة البشرية.
أولاً: تاريخ البحث العلمي في العصور القديمة
- اختلف المؤرخون في تحديد أقدم حضارة على وجه الأرض عرفها الإنسان، وبدأ منها مرحلة التدوين وكتابة التاريخ، فمنذ عدة آلاف من السنين ظهرت حضارات مُزدهِرة في أودية الأنهار الكبرى كالنِّيل والفرات، وإلى الشرق منها في أنهار الهند والصين، وإن كانت أغلب الاعتقادات تذهب إلى أنها الحضارة المصرية القديمة بوادي النيل أو الحضارة العراقية بوادي الرافدين، وذلك عندما انتقلت هذه الحضارات لحياة التحضر والمدنية في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد.
- تمكن المصريون القدماء والروم والاغريقيين والبابليون من الوصول للمعرفة بأساليبهم الخاصة حيث برعوا في دراسة بعض المجالات مثل: الكتابة، علم التحنيط، والفلك، والطب، والحساب، والهندسة، وغيرها من العلوم المختلفة، وقام المصريون القدماء بنقل المعرفة التي تمكنوا من الوصول إليها بتسجيلها على الورق البردي، كما كانوا يحفرون هذه المعلومات على صخورهم بالهيروغليفية.
- وتدلُّ الآثار التي خلَّفتها هذه الحضارات على أنها كانت حضارات ناضِجة كل النُّضج بالقياس إلى عصرها؛ ومن ثم فقد كان من الضروري أن تَرتكِز في نهضتها على أساس من العلم، كما سيتضح فيما يلي:
أولاً: تطور الحركة العلمية والفكرية عند الفراعنة
- تعتبر الحضارة الفرعونية من أقدم الحضارات في العالم، واستطاع الفراعنة بناء حضارة أذهلت العالم أجمع، وكان لحضارتهم العديد من الأسرار التي حيّرت العالم حتى أن بعض أسرار الأهرامات لم تكتشف بعد بالرغم من التطوّر العلمي والتكنولوجي، الأمر الذي يدلّ على ذكاء، وبراعة المصريين القدماء، كما أمتاز المصريون بتسجيلهم لكل أحداث حياتهم وتاريخهم، وبذلك أصبحت مصر هي الدولة الأولى التي لها تاريخٌ مكتوبٌ مسجل.
- ويشير جورج سارتون [2] في كتابه «العلم القديم والمدينة الحديثة» إلى أن المصريين القدماء عندما شيدوا إحدى أقدم الحضارات في العالم على ضفاف نهر النيل نجدهم قد أحرزوا تقدماً ملموساً في علوم الفلك والحساب والطب والصيدلة والهندسة والزراعة وغيرها، كما أنهم مهروا في الرسم والنحت والعمارة والتحنيط، وأتقنوا صناعة الحلي والجلود ونسج الملابس بمهارة فائقة، وتتضح أولى سمات المنهجية العلمية في فكر الحاسب المصري القديم عندما توصل إلى نظام العد العشري الذي تضمن إشارات خاصة للأحاد والعشرات والمئات والألوف وعشرات الألوف ومئات الألوف والملايين، وكان الكتاب أحياناً يشعرون بقيمة رقم الصفر فيتركون فراغاً، يدل عليه.
- تدل الأبحاث العلمية على أن المصري كان ماهرًا في العلوم التطبيقية وفي المسائل الفنية، ولكنه لم يكن موهوبًا في البحوث النظرية المحضة كالفلسفة ونظرياتها، يقول «هردوت»: إن علم الهندسة كان وليد الحاجة عند المصري، وذلك عندما أراد أن يقسم الأراضي الزراعية إلى قطع منتظمة فاخترعوا علم المساحة ومقاييس للأراضي، لاستعادة الحدود اللازمة والصحيحة بعد الفيضان الدوري السنوي لنهر النيل، كما برعوا في التحنيط والطب والفلك والزراعة والكتابة.
إنجازات الحضارة الفرعونية المصرية
- الكتابـــــــة: الرأي السائد بين علماء اللغات القديمة في العالم أن المصريين هم أو السومريين أول من اختراع نظامًا للكتابة. والمتفق عليه حتى الآن أن الفينيقيين قد نقلوا عن المصريين نظام كتابتهم ومن ثم نقلوها إلى أوروبا بعد تحوير وتبديل في شكل الحروف الأبجدية، وكان يوجد في مصر نظام الأرقام بكل علاماته حتى العلامة التي تدل على ألف، ومن المحتمل أنه كانت توجد وحدات للموازين أيضًا.
- وكان الإغريق يسمون الكتابة المصرية (هيروغليفي) أي «الإشارات المقدسة»، وتتكون أبجديتها من أربعة وعشرين حرفاً ساكنًا، وهي التي انتهت فيما بعد إلى أرض كنعان وصارت الحروف الأبجدية التي أخذت منها الحروف الأبجدية الأوروبية.
- نظام الكتابة في مصر بدأ بالصور ثم تطور، فمثلًا شكل الأفعى يرمز لحرف الفاء، ورمز الاسد يعبر عن حرف اللام، ويد تسلم تمز لحرف الدال، وشكل البومة ترمز لحرف الميم، وهكذا.
- وكان المصريون القدماء يكتبون كما يكتب العالم الحالي الذي أخذ طريقة الكتابة عنهم، فكان عندهم المداد الأسود الثابت اللون، وكانوا يطحنون المادة التي يأخذون منها المداد على ألواح من الخشب، وكان عندهم أقلام يتخذونها من القصب ويبرون أطرافها على حسب رغبة الكاتب، وقد سجلوا الكثير من علومهم ومعارفهم على ورق ناعم مختار من لباب سيقان البردي، كل هذه الأدوات ساعدتهم على الكتابة مما لم يتهيأ لغيرهم من الأمم الأخرى.
- وإستخدمت الكتابة في الأعمال الحكومية وتسجيل المعلومات عن مقدار الحبوب التي تم جمعها ومعرفة حجم الضرائب، وكذلك في مراسلات الملوك.
- كما استخدمت الكتابة على جدران المقابر لاعتقادهم أنها تساعدهم في الوصول إلى الحياة الثانية بعد الموت وتحميهم من أي خطر.
2. علم الفلك: إهتم المصريون بدراسه علم الفلك، وساعدهم على ذلك مناخ مصر الجاف حيث تخلو السماء من الغيوم إلا نادرا ومن ثم تكون دراستها ميسرة، وكانت مواضع المجموعات ومسارات الكواكب معروفة وذلك لان عمليات الرصد بدأت في وقت مبكر.
- رصد النجوم: عثر في مقابر الملوك من عهد الأسرة العشرين على قوائم نجوم بعضها خاص بالنصف الأول من الشهر وبعضها خاص بالنصف الثاني منه، وقد عمل هذا الرصد بالنسبة لبعض أجزاء الجسم (على الرأس أو على ارتفاع العين أو الكتف) لرجل جالس أمام الراصد، وهذا الراصد كان يرصد النجوم بآلة معلق بها خيط فيه ثقل. ويلاحظ أن الراصدين كانا في الجهة الجنوبية.
- كشف حديثًا في منطقة أبويس بالشرقية عن غطاء تابوت للعجل «با كاور» معبود هربيط منقوش عليه منازل القمر في بروجه المختلفة أثناء الشهر والسنة كلها وعددها ٣٦ منزلًا.
- وكانت أهم مجموعتين من النجوم هما: نجوم الدب الأكبر السبعة والتي كانت معروفة بالنجوم الخالدة أما المجموعة الثانية فهي: اريون (ساحو) والذي كان يعتبر معبودا.
- أهم النجوم التي عرفوها هو نجم الشعري (سيروس) أو سوتيس، وتكمن أهميته أن ظهوره كان دليلا على الفيضان وكان يحتفل بظهوره في الفجر في الصيف كعيد ديني وكانوا يعتبرون هذا النجم روحا لايزيس، وهناك أسطورة تقول أن الدموع التي تسكبها ايزيس عند الذكرى السنوية لموت زوجها أوزوريس هي التي تأتي بالفيضان.
- وهناك نصوصا وجدت على توابيت من الأسرة 9 وعرفت باسم التقديم القطري أو ساعة النجوم القطرية، وهذه النصوص تعطي أسماء الديكونات (أي النجوم التي تظهر كل 10 أيام وقت شروق الشمس وقد أحصوا منها 36 نجما، وكانت هذه النصوص توضع على مقبرة الميت لمساعدته على تمييز أوقات الليل والنهار، وقد تطورت هذه النصوص بعد ذلك فأصبحت أكثر دقة. (كما في مقبرة رمسيس السادس).
- ووجد في مقابر بعض ملوك الدولة الحديثة تمثال لرجل جالس معه شبكة من النجوم ووجد أيضا في النصوص (المتعلقة باليومين الأول و16 من كل شهر) مواقع للنجوم عن كل ساعة: نجم فوق الأذن اليسرى ثم نجم فوق الأذن اليمنى وهكذا.
- وبالنسبة لمواقع الأبراج فإنها دخلت في العلوم المصرية في العصرين البطلمي واليوناني.
3. قياس الزمن: فى عهد الملك زوسر زادت اهميه مدينه ” اون ” او عين شمس التى اهتدى علماؤها الى ابتداع التقويم المدنى السنوى الذى يجمع بين خصائص التقويمين النجمى والشمسى وتم العمل به حوالى عام 2,773 ق.م، وكانت السنة عند المصريين القدماء تتكون من 12 شهراً كل شهر 30 يوماً والشهر 3 أسابيع كل أسبوع 10 أيام وفي نهاية السنة، ثم أضافوا 5 أيام زائفة ليجعلوها تتفق مع الحقائق الفلكية، ليصبح عدد أيامها 365 يوماً.
- كما قسمت السنة لـ 3 فصول كل منها 4 أشهر هي: “فصول الفيضان، والشتاء، والصيف”. وكان اليوم 24 ساعة يتساوى فيها عدد ساعات الليل والنهار.
- أما أسماء الشهور فقد نشأت في العهد الإغريقي القبطي، وأخذت من أسماء أعياد قديمة كانت تقام للآلهة الذين سموا بها، وهي خمسة أيام: النسيء ثم توت وبابه وهاتور وكيهك، ويتألف منها فصل الفيضان. ثم طوبة وأمشير وبرمهات وبرمودة ويتألف منها فصل طلوع النبت. ثم بشنس وبئونة وأبيب ومسرى، ويتألف منها فصل الصيف.
- وكان اليوم في نظرهم ينقسم إلى اثنتي عشرة ساعة نهارًا واثتني عشرة ساعة ليلًا مهما كانت فصول السنة، وكانت تقاس أوقات اليوم بالساعات الشمسية أو المزولة، وهي آلة تعرف ساعات النهار بوساطة الظل، ولا يزال الفلاح المصري يستعملها حتى الآن، أما خلال الليل فكانت كذلك تعرف الساعات بمراقبة النجوم ورصدها.
4. الرياضيات: يُعتقد بأن المصريين هم أول من قدم نظاما حسابيا متكاملا عشريا (أساسه الرقم 10) تقريبًا منذ عام 2700 قبل الميلاد. حيث استخدم المصريون خطًا رأسيًا للتعبير عن الرقم 1 وعظمة الكعب للتعبير عن الرقم 10 والحبل الملفوف للرقم 100 وزهرة اللوتس للرقم 1000 وبعض الرموز الفرعونية الأخرى للتعبير عن القيم الأكبر حتى الرقم مليون.
- ولكن لم يكن عند الفراعنة مفهوم القيمة المكانية، ولذلك كانت الأرقام الأكبر صعبة الكتابة (فمثلًا كتابة الرقم مليون تحتاج لرمز واحد ولكن مليون ناقص 1 يحتاج ل 54 رمزًا لكتابته).
- توضح بردية ريند (Rhind Papyrus) التي تعود للعام 1650 ق. م.، بدقة كيفية القيام بعمليات الضرب والقسمة في ذلك الوقت. كما تحتوي على بعض الأدلة على معرفة بعض المعلومات الحسابية الإضافية، وتشمل الكسور، والأعداد الأولية والمركبة، الحساب، المتوسط الهندسي والمتوسط التوافقي، كذلك طريقة حل المعادلات الخطية وكذلك المتسلسلات الحسابية والهندسية.
- أما بردية برلين والتي تعود لعام 1300 ق. م. تظهر لنا أن المصريين القدماء استطاعوا حل المعادلات التربيعية.
- المساحات والأوزان والحجوم: كانت وحدة المساحة هي: – مست جات = 100 ذراع مربع 2/3 أكر (الأكر = 4آلاف متر، أما وحدة الوزن فكانت الدبن = 91 جرام.
- وتعتبر الأهرام دليلًا على مدى تقدم الرياضيات عند قدماء المصريين. وهناك أدلة على أنهم عرفوا معادلات حجم الهرم (1/3 × ارتفاع الهرم × مساحة القاعدة (الطول × العرض).
- القياس: كان عيار الكيل هو: “بوشل” وهو مكيال للحبوب يساوي 8 جالونات تقريباً أي 32 لتراً ونصف)، أما بالنسبة للسوائل فكانت هناك مكاييل ذات مسميات أخرى، ولكن لم نستطع مساواتها بأي من الوحدات الموجودة حالياً. ولقياس الأطوال استخدموا نوعين هما: الذراع الملكي (الطويل) يساوي 52.3 سم وكان يستخدم في المعمار. والثاني هو الذراع العادي (القصير) يساوي 45 سم. وفي المسافات استخدموا وحدة تسمى الوحدة النهرية تساوي 10305 كم أي 20 ألف ذراع.
- عرف المصريين القدماء كذلك قاعدة المثلث 3 و4 و5 والتي تعطي مثلثا قائما مضبوطا قبل العالم اليوناني فيثاغورث بفترة طويلة جدًا، ولذلك استخدم البناؤون المصريون حبالا مربوطة عند 3 و4 و5 وحدات لقياس الزوايا القائمة الدقيقة للقيام بأعمالهم على الصخور (حتى أن المثلث القائم ذو الأضلاع 3 و4 و5 يطلق عليه المثلث المصري).
5. الطب عند الفراعنة: الطبيب المصري القديم هو أول من درس ووضع علوم الطب والتشريح في العالم القديم، حيث كُشف عن مقبرة الطبيب كار من الدولة القديمة بسقارة، وكانت معه أدوات الجراحة الخاصة به وبدراستها ثبت أن الفراعنة درسوا وبعناية علوم الطب والتي نقلها عنهم اليونانيون، وعلى هذا يكون الطبيب المصري القديم هو “أبو الطب” وليس اليوناني “أبو قراط”، الذي يقسم الخريجون حتى الآن بقسمه الطبي قبل ممارستهم مهنة الطب، فقبل أبو قراط بأكثر من 22 قرنا، عرف المصريون القدماء الطب في عهد “ايمحوتب الكاهن”، ويعتبر التحنيط أحد المجالات التي ساعدت الطبيب المصري القديم على فهم الجسد الآدمي والحيواني، هذا الفهم أدى دون شك إلى تقدم علوم الطب عند الفراعنة سواء الطب البشري أو البيطري.
- وتوصل الطبيب الفرعوني إلى معرفة غاية في الدقة لوظائف الأعضاء وطبيعة عملها مثل القلب والرئتين والمعدة والكلي والكبد وغيرها من الأعضاء. كما قاموا بأخطر وأدق العمليات الجراحية فالممارسات الطبية جعلته يعرف من أي جزء تحديدًا يمكنه فتح الجسم البشري والوصول إلى الأعضاء والأحشاء الداخلية دون تدميرها، فمن خلال فتحة صغيرة يصل طولها إلى بضعة سنتيمترات في الجانب الأيسر من البطن تمكن المحنط المصري القديم من الوصول واستخراج كل أعضاء الجسد الآدمي وتحنيطه على حدة.
- فقد كان من ضمن الطقوس الدينية للدفن في عصر ما قبل الأسرات أن المصريين كانوا أحيانًا يشرحون الأجسام الآدمية وينتزعون ما عليها من لحم ثم يلفون العظام بكل دقة وعناية ويضعونها في المقابر وهذا دليل على أن المصري كان منذ الأزمان المتوغلة في القدم يعرف تشريح الجسم وفصل أجزائه المختلفة
- ويقول الدكتور زاهي حواس أن الحفائر التي نفذها بمقابر العمال بناة الأهرامات قدمت معلومات كثيرة عن مدى تقدم الطب المصري القديم، فمنذ ما يقرب من 4500 سنة كان الجراح المصري يجري عمليات بتر للأرجل والأيدي المصابة دون أي مشكلة، مما يؤكد معرفته بطرق وقف النزيف ومعالجة الأوردة والشرايين. كذلك كشفت عن هياكل عظمية لعمال تعرضوا إلى كسور وتم علاجها بمهارة مذهلة وعاش العمال واستكملوا عملهم دون أي مشكلة.
- واكتشف ايضاً وجود فريق طبي مقيم بموقع بناء أهرامات الجيزة مهمته الحفاظ على صحة وسلامة العمال، وأنه لولا وجود الرعاية الصحية المتكاملة ما كان ليتم أي من المشروعات الفرعونية العملاقة.
كما تدل النقوش المصرية من عهد الدولة القديمة على أنه كان في مصر أطباء من كل نوع في درجات مختلفة، وان التخصص كان أمرًا مهما، فكان هناك 3 طوائف من الأطباء يعالجون الأمراض، وهم “سنـــــــــــو” وهم الأطباء الباطنيون، و”سخمـــــــــــت” وهم الأطباء الجراحون، “ســـــــــــــــــــــاو” وهم الأطباء الروحانيون وكان يوجد أخصائيون للعيـــــــــون والفــــــــم والأسنــــــــــان، وآلام المعدة ومشاكل الشرج،، وقد كشف حديثًا عن مقابر أطباء في منطقة الجيزة بحفائر الأستاذ ينكر وحفائر الجامعة المصرية، وكان للفرعون فريق طبي، من بينهم طبيب القصر الملكي ورئيس أطباء البلاط «إري»، وكان يحمل لقب (الذي يفهم السوائل الداخلية وحارس الدبر) مما يدل دلالة واضحة على أنه كان مختصًّا بالطب الباطني وعالمًا بالأمراض الخاصة بأعضاء الهضم. وهذا الاختصاص في عهد الدولة القديمة يعززه وجود أطباء أسنان للقصر الملكي.
- وقد عثر في عهد الأسرة الرابعة على حالة تدل على تقدم جراحة طب الأسنان في ذلك العهد، أي منذ ٢٨٠٠ سنة ق.م. إذ وجد فك في مقبرة من هذا العهد أجريت فيه عملية في النتوات السنخية وذلك بثقبها لأجل إخراج المادة القيحية من دمل تحت الضرس الأول، كل ذلك يدل على معلومات قيمة مفصلة تشعر بالتخصص في فروع الطب.
وتحتوي بردية إيبرس على 87 وصفة طبية لعلاج أمراض الجلد، والقلب، والعيون، والمعدة، والمثانة، والشرايين، والنساء، كما تحتوي بردية أدوين على معلومات عن العمليات الجراحية، وإصابات الجروح، كما تعرض 48 حالة تبدأ بالتعريف الإصابة، ثمّ وصف الأعراض، ثم إعطاء الرأي الطبي، وطريقة العلاج.
6. الصيدلة والكيمياء: يقول المؤرخ جابين: إن المصريين كانوا منجما اغترف منه الأقدمون العقاقير وأوصافها المذكورة وأعمال ديسقوريدس (40-90م)، وبللينيوس (23-79م) وغيرهما، كان من الواضح أنها مأخوذة من المصريين القدماء[3].
7. تطور الهندسة والعمارة عند الفراعنة: تتميز العمارة المصرية القديمة بالنسب الجمالية وضخامة المباني بالإضافة لتميزها بقوة البناء الانشائي مما جعلها تصمد لالاف السنين، تابع مقال العمارة المصرية القديمة الجزء الاول والثاني لتتعرف على التفاصيل.
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
إلى اللقاء في الحلقة القادمة والي سنتحدث فيها عن العمارة المصرية القديمة -ج1 فانتظرونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
[1] (سورة البقرة: 31)
[2] (جورج سارتون “Georges Sarton” ((1884 – 1956 المستشرق بلجيكي أمريكي، يعتبر مؤسس تخصص تاريخ العلوم كمجال دراسة مستقل. ويُعَدُّ في مصافِّ كبار العلماء، حتى كان رئيسًا للاتحاد الدولي لتاريخ العلوم، ورئيس شرفيًّا لجمعية تاريخ العلوم الأميركية، وكان عضوًا في عشرة مجامع علمية دولية، إضافة إلى منحه ست شهادات دكتوراه فخرية، من أبرز أعماله كتاب (المدخل إلى تاريخ العلم)
[3] (منتصر، عبد الحكيم (1980). تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه، ص25.)