تطور الحركة العلمية والفكرية في العالم الاسلامي

تطور الحركة العلمية والفكرية في العالم الاسلامي:

الحضارة الإسلامية حضارة عالميةٌ في آفاقها وامتداداتها، لا ترتبط بإقليم جغرافي، ولا بجنس بشري، ولا بمرحلة تاريخية، حوت جميع الشعوب والأمم، تركت بصماتها في مختلف البقاع والأصقاع، فهي حضارة يستظل بظلالها البشرُ جميعاً، ويجني ثمارها كلُّ من يصل إليه عطاؤها. لها خصائص أصيلة، ومميزات جليلة؛ لأنها تستمد مقوماتها من القرآن الكريم الذي يمدها بالقوة والتماسك، وهي حضارة إنسانية جامعة، حضارة تقوم على التوازن بين أشواق الروح ومطالب البدن وفق ضوابط خُلقية؛ لأنها تقوم على التوحيد الخالص المستمَدِّ من الوحي الإلهي؛ ولذا فإنها شمولية غير جزئية، تعنى بالمرء وحياته كلها، ولا تنظر إليه من جانب دون آخر، فهي لا تقبل التبعيض والتجزيء في كل شؤون الحياة،

إنها حضارة قائمة على الموازنة بين مقاصد الروح ومطالب البدن، كما أنها ربطت العلم بالدين، والسياسة بالأخلاق – الأستاذ أنور الجندي

فلا عجب بعد هذا أن تكون حضارة شمولية جامعة، لها مفهوم يتسم بالأصالة، فيُمكن وصفُها بأنها جامعة بين دنيا المرء وآخرته، وأن الأخلاق هي المحك الحقيقي الخليق بضمان حياة إيمانية، يأنس فيها المؤمن بربه، ويتآخَى في ظلالها مع أهله وحزبه.

أنها حضارة معطاءة؛ أخذت واقتبست من الحضارات والثقافات الإنسانية التي عرفتها شعوب العالم القديم، وأعطت عطاء زاخراً بالعلم والمعرفة والفن الإنساني الراقي وبقيم الخير والعدل والمساواة والفضيلة والجمال، وكان عطاؤها لفائدة الإنسانية جمعاء، لا فرق بين عربي وعجمي، أو أبيض وأسود، بل لا فرق بين مسلم وغير مسلم، سواء أكان من أتباع الديانات السماوية والوضعية، أم ممّن لا دين لهم من أقوام شتَّى.

كان الجميع يعيش في ظل الحضارة الإسلامية، ولكي تنهض أمتنا من جديد يجب أن يسبق ذلك عمل ضخم في مجال توعية المجتمع و ذلك بخلق جو من الإقتناع الفكري بإمكانية قدرة المجتمع في النهوض بالحضارة العربية الإسلامية من جديد رغم تعقيداتها و مهما كانت صعوبتها.

و يتم ذلك من خلال عاملين إثنين الأول هو الترجمة كما حدث في عصر هارون الرشيد حيث تُرجمت أمهات الكتب من جميع اللغات إلى اللغة العربية و تكرر أيضاً في بداية النهضة الأوروبية حيث تُرجمت كتب الحضارة العربية إلى اللغات اللاتينية، و العامل الثاني وهو الأهم في خلق هذا الإقتناع الفكري بكثرة تناول المواضيع التي نسّلط فيها الضوء على إختراعات علماء الإسلام السابقون.

على أساس مبدأ إنهيار الحضارات الإنسانية وإعادة إنبعاثها من جديد حسب رأي مالك بن نبي وإبن خلدون وأرنولد توينبي و ويل ديورانت وآخرون، ولا شك أن الحضارة العربية الإسلامية قد مرت باربع مراحل قبل أن تنضج وتبدع وتسهم في بناء حضارة الإنسان، وهذه المراحل هي:


أولاً مرحلة التكوين (مرحلة الترجمة والاقتباس).

والتي استغرقت قرنين من الزمان تقريباً (الأول والثاني للهجرة – السابع والثامن للميلاد)، نجح العرب والمسلمون في بناء حضارة من عناصر ومصادر متعددة، أولها – ما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ، تتناول شئون الدنيا والآخرة. وثانيها – تراث العرب القديم وقيمه الإيجابية، وثالثها – تراث الشرق القديم الذي كان منبعاً ثرياً لحضارة الشرق والغرب في العصور القديمة، ورابعها – إنجازات الحضارة الإغريقية والفارسية والهندية والصينية التي أفاد منها العرب والمسلمون في تكوين حضارتهم.

كيف قامت الدولة الإسلاميَّة الأولى التي أنشأها رسول الله  ؟

واتجهت إهتمامات العلماء المسلمين في بادئ الامر صوب العلوم التي تحقق لهم فوائد عملية سواء على الصعيد الشخصي أو على صعيد حياتهم الدينية العامة، كالرياضيات والفلك والطب والزراعة.


المصادر:

[1] (احمد أنور سيد أحمد الجندي (1917م – 2002م)، هو أديب ومفكّر إسلامي مصري، قاتل من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية الأصيلة ورد الشبهات الباطلة والأقاويل المضللة وحملات التغريب والغزو الفكري، والكلام ماخوذ بتصرف من موسوعته “مقدمات العلوم والمناهج” الحضارة الإسلامية في رؤية الأستاذ أنور الجندي، وقد حصل الأستاذ “الجندي” على جائزة الدولة التقديرية عام 1960). [2] كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني. [3] (د. عمر فروخ، عبقرية العرب في العلم والفلسفة، دار العلم للملايين – بيروت، 1969، ص 69) [4] (سورةالقلم: 1)

Exit mobile version