عوامل نشوء وتطور الحضارة العربية الاسلامية

عوامل نشوء وتطور الحضارة العربية الاسلامية: لقد أسهمت عدة عوامل في نشوء وتطور الحضارة العربية الاسلامية كانت المرحلة الاولي هي مرحلة التكويـــــــــــــن (مرحلة الترجمة والاقتباس)، ونجمل أهم العوامل في النقاط التالية:

  1. القرأن الكريم والتركيز على التوحيد الخالص لله تعالى: إن القيم الإسلامية بدعوتها إلى وحدانية الخالق، أقامت نظام الحياة على التكامل بين الدنيا والآخرة، والتكامل بين العلم والدين، وأن هـذه الرؤية المتزنة والموضوعية والفطرية أنتجت علوما وعلماء، ما تزال البشرية تعيش على آثارهم حتى يومنا هذا.

2. الأحاديث النبوية الشريفة: والتي تدعو إلي أهمية العلم والتعلم ومنها قولة ﷺ “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر[7]، فإن العالم يرث النبي في أخلاقه السامية، وسلوكه الرفيع من التواضع وحسن الخلق والحلم والصبر على المصائب والمتاعب وتحمل المشاكل من أجل أداء الرسالة، ويتصف بفضائل الأخلاق ومكارم الصفات أسوة بنبيّه، فإنه وريثه في أخلاقه الحسنة، وإنّ الكلام إذا خرج من القلب الصالح المتقي الخلوق دخل في القلوب، وإذا خرج من اللسان فانه لا يتجاوز الآذان. واعتبر رسول الله ان طلب العلم يعادل الجهاد فى سبيل الله (من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع)[8] بل قد يكون أفضل من الجهاد كما في قولة ” لغدوة في طلب العلم أحب الي الله من مئة غزوة” و “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة[9]. ومما يؤكد على حرص رسول الله ﷺ على نشر العلم بين صحابته الكرام أنه بعد غزوة بدر عرض على الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين: أن يقوم الأسير الذي يعرف القراءة والكتابة بتعليم عشرة من المسلمين، فإذا أتم ذلك اعتبر جھده مساويا ومقابل للفدية التي يتحرر بھا الأسير، فيطلق سراحه[10].

ولما كانت السنة المصدر الثاني للتشريع الاسلامي فقد تطلب ذلك جمع الأحاديث الشريفة بعد وفاة الرسول ﷺ ولقد بدأ جمع الأحاديث وتدوينها في أواخر العصر الاموي ولم تكتمل عملية الجمع إلا في النصف الثاني من القرن الهجري الثاني، وتمتاز كتب الصحاح بكون أصحابها تحروا صحة الرواية على أساس منهج التعديل والتجريح، وهو منهج نقدي، أما تصنيف الأحاديث وتبويبها فقد تم بطريقتين هما:

3. الامن والامان:

في ظل الدولة الاسلامية التي اتسعت رقعتها وامتدت حدودها من أقصى المشرق الي أقصى المغرب تم تحقيق قدر كبير من الامن والامان وهو الامر الذي يسر الرحلة في طلب العلم بحيث غدا الانتقال من بلد الي اخر في المشرق والمغرب من الامور المألوفة والشائعة، الامر الذي أدى الي ازدهار الحركة العلمية والفكرية في الحضارة الاسلامية.

4. جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية في العالم الإسلامي:

بذل الأمويون مجهودًا عظيمًا في نشر الإسلام، وركزوا جهدهم للفتوحات، وتوسيع رقعة مملكتهم الإسلامية، فوصلت فتوحاتهم إلى الصين شرقًا وإلى شواطيء المحيط الأطلسي غربًا، وبفضلهم استعملت جميع البلدان المفتوحة اللغة العربية كلغة رسمية، كما حافظ الأمويون على المؤسسات العلمية في البلدان المفتوحة، وبقيت كما كانت قبل الفتح الإسلامي؛ لذا استمر العطاء العلمي في جميع المجالات، مما دفع طلاب العلم من البلاد العربية إلى أن ينضموا إلى هذه المؤسسات العلمية لكي يتعلموا العلوم التجريبية باختلاف أنواعها.

5. بدايات حركة الترجمة:

  1. الترجمة في صدر الإسلام: ترجع البدايات الاولي لحركة الترجمة إلى صدر الإسلام في عهد الرسول الكريم وبتكليف منه، فقد ورد عن زيد بن ثابت t: قال لي رسول الله ﷺ: “أتحسنُ السريانية؟ فقلت: لا، قال: فتعلّمها فإنّه يأتينا كُتُب، فتعلّمتها في سبعة عشر يوماً[11]. ، قال الأعمش: كانت تأتيه كتُبٌ لا يشتهي أن يطّلع عليها إلا من يثق به” وفي سنن أبي داود: قال زيد بن ثابت أمرني رسول الله ﷺ فتعلمت له كتاب يهود، وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، فتعلمته، فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إذا كتب، وأقرأ له إذا كتب إليه.
  2. كما ان بعض الصحابة كانوا ينتمون إلي اصول غير عربية (أعاجم) ومنهم سلمان الفارسى وصهيب الرومى وبلال الحبشى، ومن الطبيعي ان حركة الترجمة في تلك الفترة كانت محدودة للغاية مقتصرة علي ترجمة الرسائل التي بعثها الرسول r الي الملوك والامراء المعاصرين له ومنهم كسرى الفرس وقيصر الروم ونجاشى الحبشة والمقوقس عظيم القبط بمصر وغيرهم، وأقدم بردة في الإسلام تعود إلى سنة 22هـ، وعليها نص باسم عمرو بن العاص، وبه ثلاثة أسطر باليونانية والترجمة بالعربية تحتها، وبالتالي فإن بدايات حركة الترجمة قد ظهرت في صدر الإسلام.
  3. الترجمة في العصر الأموي: ورثت الدولة الأموية علوم الأعاجم من الفرس والروم بعد انهيار دولتهم، وكان لا بد من الاستفادة من ذلك التراث بترجمته ونقله إلى العربية بعد أن غدا “تراثًا تقليديًّا تداولته أيدي الشارحين والمحترفين ممن أجادوا اليونانية أو السريانية”.
  4.  وتكاد تجمع المصادر التاريخية كلها على أن خالد بن يزيد بن معاوية (المتوفى 85هـ /704م وقيل 90هـ /709م) – والملقب بحكيم آل مروان هو اول من امر بترجمة الكتب الي اللغة العربية فأرسل إلى الإسكندرية في طلب بعض الكتب في الطب وعلم الصنعة (الكيمياء) لترجمتها إلى العربية، وذلك بعدما أقصى عن الخلافة طواعية.

وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة عن: عوامل نشوء وتطور الحضارة العربية الاسلامية، وفي الحلقة القادمة بأذن الله سوف نتحدث عن: العصر الذهبي للحضارة الإسلامية (المرحلة الثانية: مرحلة الازدهار – ومرحلة الإبداع)


[1] سورة العلق: 1 [2] سورة فاطر: 28 [3] سورة المجادلة: 11 [4] سورة طه: 114 [5] سورة الأعراف: 10 [6]د. مصطفى عبد القادر غنيمات، الحضارة والفكر العالمي، دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان، 2012، ص 214) [7] رواه البخاري وأبو داود والترمذي و سنن ابن ماجه (223) [8]رواه الترمذي (2647) [9] سنن ابن ماجه (224) [10]. محمد بن سـعـد (ت سنة 250هـ/845م) كتاب الطبـقات الكـبرى (بيروت:دار بيروت، 1957 ،مجلد 2 ص 22) [11] رواه أبو داود (3645) و الترمذي (2 / 119) و الحاكم (1 / 75) و صححه و أحمد (5 / 186)

Exit mobile version