المعماري محمد الرافعي

يُعدّ المعماري محمد الرافعي واحداً من أبرز الأصوات المعمارية العربية التي سعت إلى استعادة جوهر الهوية المحلية وتقديمها في صياغة معاصرة تتجاوز حدود التزيين الشكلي والمفردات المكررة. بين تأثيرات المدرسة الإنسانية التي رسّخها المعماري الكبير حسن فتحي، وبين رؤيته الخاصة للمكان والإنسان والعمران، نسج الرافعي مساراً فكرياً متفرداً يضع القيم الاجتماعية والثقافية في قلب التصميم، ويرفض تحويل التراث إلى مجرد قشرة تُستعار للواجهات دون روح أو وظيفة.
لقد قدّم الرافعي من خلال مشاريعه المختلفة – من مجمعات سكنية خاصة إلى مشاريع عامة بارزة مثل مبنى محافظة الدرعية – نموذجاً جديداً لعمارة عربية قادرة على التوازن بين الماضي والمستقبل، بين الأصالة والتجديد، وبين حاجة الإنسان المعاصر وعمق جذوره.

وفي وقتٍ تتعرض فيه الهوية العمرانية العربية لضغوط التغريب والتقليد وطمس الخصوصية، يبرز الرافعي كأحد أهم المعماريين الذين أعادوا الاعتبار لفكرة “الانتماء” في العمارة، بوصفها ممارسة ثقافية قبل أن تكون عملاً تقنياً أو جمالياً.

تأسيسه لشركات ومراكز تطوير تقنيات الطين المضغوط:

أسس المعماري محمد الرافعي عام 1997 شركة الدار المصرية للتنمية والبناء المتوافق، التي كانت من أوائل المؤسسات المصرية المتخصصة في تطبيق تقنيات البناء بالتربة الطينية، بما يشمل:

كما شارك في تأسيس الجمعية المصرية للبناء بالتربة، بهدف دعم الأبحاث والممارسات المتعلقة بالعمارة الصديقة للبيئة.

وفي إطار أعماله الاستشارية، أسس مكتب أديم للاستشارات ويشغل فيه منصب المصمم الرئيس، وتحت هذا المظلة نفّذ العديد من المشاريع معظمها خارج مصر والتي تمزج بين الأصالة والابتكار.

أبرز مشاريع المعماري محمد الرافعي

1. مشروع مبنى محافظة الدرعية – السعودية

يُعد هذا المشروع من أهم أعمال الرافعي، حيث شارك ضمن مسابقة دولية محدودة دعت إليها هيئة تطوير الرياض عام 2010، وحصل على المركز الثاني بعد مكتب دار العمران بقيادة المعماري راسم بدران.

موقع المشروع:

يقع المبنى عند مدخل الدرعية على طريق الإمام عبد العزيز بن محمد، فوق أرض مساحتها 10,847 م²، على طريق الإمام عبد العزيز بن محمد، في قلب منطقة تُعد رمزًا لتاريخ الدولة السعودية وأيقونة تراثها العمراني والثقافي، والمُسجّلة ضمن قائمة اليونسكو للتراث الإنساني.

1) الفكرة العامة للمشروع:

انطلق التصميم من رؤية تعتبر أن مبنى المحافظة يجب أن يكون:

وبالتالي جاءت اللغة المعمارية: حديثة في تنظيم الفضاءات، تراثية في جذورها وروحها، دون الوقوع في فخ الاستنساخ أو التزيين السطحي

2) فلسفة التصميم

الرؤية الأولى: العلاقة بين السلطة والمجتمع

سعى الرافعي إلى ترجمة علاقة متوازنة بين:

وجاءت الكتل المجاورة كمبانٍ مستلهمة من نسيج الدرعية التقليدي، تعزز التواصل بين المجتمع والمؤسسة الحكومية.

وترجمت هذه الرؤية معماريًا عبر:

فالمربع هنا ليس شكلًا هندسيًا فقط، بل رمز للاستقرار والسلطة، فيما تُجسّد الكتلة المحيطة «النسيج المتضام» التقليدي الذي يعكس روح المكان.

الرؤية الثانية: الموازنة بين الماضي والحاضر والمستقبل

الدرعية كانت وما تزال جسرًا بين تراث عريق وحداثة متنامية، وهو ما حاول التصميم تجسيده من خلال:

في المقابل جاءت كتلة خدمات المجتمع كتعبير تقليدي مطوّر بمواد تراثية وتقنيات حديثة، وانفتحت على الخارج بدون أسوار لتعزيز التواصل بين الناس والسلطة.

3) المادة والهوية

كان المشروع فرصة لتقديم رؤية معاصرة لاستخدام طوب التربة المضغوطة (CEB):

وقد تحققت رؤية الرافعي لاحقًا حين اعتمد مشروع بوابة الدرعية الطين المضغوط كأساس لتطوير المنطقة.

4) البعد الاجتماعي للمشروع

لم يكن المشروع مبنى إداريًا جامدًا، بل:

بهذا تحوّل المبنى إلى مؤسسة اجتماعية قبل كونه مؤسسة إدارية.

من خلال هذا المشروع نلاحظ تأثر الرافعي براسم بدران من خلال:

ويظهر هذا التأثير خصوصًا في مشروع مبنى محافظة الدرعية الذي فاز فيه الرافعي بالمركز الثاني ضمن المسابقة التي فاز فيها المعماري الكبير راسم بدران بالمركز الاول.

الخلاصة

يعكس مشروع مبنى محافظة الدرعية رؤية محمد الرافعي التي تقوم على:

إنه مشروع يضع السلطة في قلب المجتمع، ويضع المجتمع في قلب التصميم.

2. مشروع: منتجع سياحي بيئي في المدينة المنوّرة

يقدّم هذا المشروع نموذجًا عمليًا للسير نحو تحقيق ما يسميه المعماري محمد الرافعي “العمارة الصادقة”؛ وهي عمارة تُبنى على الوضوح والوظيفة الحقيقية والانسجام مع البيئة والثقافة المحلية دون زخارف زائفة أو حلول شكلية.

يعتمد التصميم على إحياء مفردات العمارة التقليدية للمدينة المنورة وتطبيقها بصورة معاصرة وفعّالة. فالرواشين تُنفَّذ من خشب الساج بواسطة حرفيين سعوديين وبوظيفة واقعية، والجدران تُشيَّد باستخدام طوب التربة المضغوطة المستخرج من ناتج الحفر، أما التهوية والتبريد فتعتمد جزئيًا على الأنظمة الطبيعية، بما يتماشى مع مناخ المنطقة. لا يحتوي المشروع على أي عنصر إنشائي بلا وظيفة، كما تُستخدم مواد وتشطيبات محلية تشمل الأبواب والنوافذ والمنجور وأرضيات الأحجار الطبيعية.

تصميم المشروع يتضمن مشاركة واسعة من الشباب السعودي في مختلف مراحل التنفيذ، مما يعزز البعد التنموي ويخلق علاقة عضوية بين العمارة والمجتمع المحلي. أما تصميم الشاليهات فمستوحى من الخصوصية التي تميز ثقافة المدينة، من خلال مداخل منكسرة وأفنية داخلية توفر الراحة والظل وتستحضر روح البيوت التقليدية.

كما تُصمَّم الأنشطة الترفيهية داخل البستان لتقديم تجربة حسية مرتبطة بثقافة المكان، وتنسجم النباتات المستخدمة مع بيئة المدينة المنورة. وحتى خط السماء المتدرّج للمباني يعكس بساطة الوظائف وتدرج الاستخدامات.

يراعي المشروع منظومة متكاملة من الاعتبارات: الاقتصادية، البيئية، الثقافية، الاجتماعية، الجمالية، الوظيفية، التقنية، والإنسانية، بهدف الاقتراب من تحقيق رؤية “العمارة الصادقة” كمنهج تصميمي يعبر بصدق عن المكان والإنسان والزمان.

3. مشروع: تصميم مجمع سكني خاص بمدينة الرياض

تلقّى المعماري محمد الرافعي مهمة تصميم مجمع سكني خاص في عام 2012 بمدينة الرياض لعائلة كبيرة تضم ثلاثة أجيال، لاحظ أن المتطلبات كانت تقليدية ومكررة: فيلا رئيسية وفيلتان للأبناء، لكل منها حديقتها الخاصة وارتداداتها النظامية. لكنه طرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن للتصميم أن يدعم ترابط هذه العائلة، ويعزز انتماءها وهويتها، بدلًا من مجرد تلبية الاحتياجات الوظيفية المعتادة؟

قرر الرافعي أن يستخدم نسقًا عمرانيًا اجتماعيًا، هدفه الأول هو تعزيز الترابط بين أفراد العائلة الممتدة عبر استلهام “الحوش” كحيّز جامع يعبّر عن هوية المجتمع ويخدم احتياجاته الحقيقية، وهو نموذج عمراني تقليدي في نجد والحجاز، يقوم على فناء واسع تتوزع حوله مساكن العائلة الممتدة. هذا النسق كان تاريخيًا مصدر حماية وخصوصية، وحيزًا للتلاقي الاجتماعي وممارسة الأنشطة اليومية. وقد رأى الرافعي أن إحياء هذا المفهوم يمنح المشروع أبعادًا متعددة:

1. البعد البيئي

الحوش يعمل كفناء داخلي كبير يخفف قسوة المناخ الصحراوي، ويوفر انتقالًا حراريًا لطيفًا وظلالًا عبر الأشجار، تمامًا كما كانت الأحواش عنصرًا أساسيًا في النسيج العمراني للمدن القديمة.

2. البعد الاجتماعي – الثقافي

انسجامًا مع أهمية الخصوصية في المجتمع السعودي ودور الفناء في توفير حرية الحركة للنساء، يتيح الحوش فرص اللقاء والتواصل داخل العائلة، ويسهم في الحفاظ على روح القرابة والترابط التي ترفض الفردانية.

3. البعد الإنساني

عمارة الصحراء تتجه للداخل، والحوش هو القلب الحي الذي يمنح السكينة ويجمع العائلة حول فضاء طبيعي محمي، تمامًا كواحة داخل كتلة البناء.

4. البعد الوظيفي

الحوش فضاء متعدد الاستخدامات: لقاءات، ضيافة، لعب، تهوية، وإضاءة طبيعية. وهو ما جعله بالنسبة للرافعي ضرورة وظيفية قبل أن يكون عنصرًا تراثيًا.

التحديات التصميمية وكيف واجهها الرافعي

رغم قناعته بأهمية إعادة الحوش، واجه الرافعي ثلاثة تحديات رئيسية:

أولاً: أنظمة البناء

كان القانون يمنع البناء على الصامت، فيما كانت الأراضي منفصلة بملكيات مستقلة. فاختار دمجها رسميًا مع الحفاظ على حدودها التصميمية، ووضع مساحات فاصلة تحتوي برجولات ونباتات لرسم شكل الحوش. بذلك تمكن من تشكيل كتلة الفيلا الرئيسية بشكل يحتضن الفناء ويطل عليه بكامل غرفه.

ثانيًا: الخصوصية مقابل الاستقلال

لمنع الاحتكاكات الاجتماعية وتعزيز الاستقلال النسبي للأبناء وزوجاتهم، صمم لكل فيلا فناء خاصًا بها يتصل بالحوش عبر ممر قابل للغلق. هكذا أصبح الخيار بيد كل أسرة: العيش المستقل أو الاندماج في حياة العائلة الكبرى.

ثالثًا: تحفيز الحياة داخل الحوش

لضمان استخدام الفناء فعليًا، اقترح الرافعي وضع المسبح والجاكوزي في قلب الحوش بدل القبو. فتحول الفناء إلى مركز لقاء أسبوعي يجتمع فيه جميع أفراد العائلة في أجواء ترفيهية وتواصلية حقيقية.

النتيجة: العمارة كصانعة للحياة

يروي الرافعي أن العائلة أصبحت تعتبر الحوش محور حياتها، ومكان اجتماعها الدائم، وأن التصميم وُلد نابضًا بالحياة كما أراد له. بالنسبة له، كانت هذه التجربة تأكيدًا لرسالته الأساسية: أن العمارة قادرة على خلق حياة إيجابية وتعزيز قيم المجتمع، لا مجرد بناء جدران وسقوف.

4. مشروع: تصميم سكن مزرعة القرينة

يُعد هذا المشروع أحد التطبيقات العملية الرائدة لاستخدام تقنيات البناء بالتربة المضغوطة في سياق معماري حديث، ويعكس قدرة الرافعي على دمج الحلول البيئية مع المتطلبات الوظيفية والجمالية للمشروع. يقع مشروع مزرعة القرينة على بعد 80كم شمال مدينة الرياض، اعتمد الرافعى على مواد البناء المحلية كالحجر من الجبل ومن تربة الوادي قام بتصنيع طوب التربة المضغوطة المثبتة بطريقة معاصرة، وقدم تصورًا عمرانيًا يجمع بين البساطة التعبيرية، والانسجام مع الطبيعة، والاحترام العميق لخصوصية المكان.

الفكرة الأساسية

انطلق الرافعي في تصميم مزرعة القرينة من مبدأ جوهري هو: أن المبنى الريفي يجب أن يكون امتدادًا طبيعيًا للأرض، وأن البساطة ليست ضعفًا بل قيمة تصميمية قادرة على خلق عمارة صادقة، تتمحور حول الإنسان والوظيفة، وأن الجمال لا يشترط الكلفة، وقد حمل هذا المشروع الرائع عدة رسائل مهمة، وأبهرني شخصيًا بجماله وبالتعليقات المميزة التي قدمها المهندس المبدع محمد الرافعي حوله.” ولذلك جاء التصميم قائمًا على:

الفناء الداخلي

وعبر هذا النهج، يؤكد الرافعي أن العمارة الحقيقية هي تلك التي تضع الإنسان في قلبها، وتستمد صدقها من جذور المكان وروح المجتمع.

حصل الرافعي على عدة جوائز منها:

الخاتمـــــــــة

الهوية، في نظر الرافعي، ليست حزمة من المفردات البصرية التي تُلصق على الواجهات؛ وليست الهوية مجرد قوس أو مشربية أو عقد أو قبة. الهوية لديه أعمق من ذلك بكثير، فهي مرتبطة بسلوك الناس وحياتهم اليومية، وبالفراغات التي تحتضن تفاعلهم الاجتماعي، وبحجم الصدق الذي تعكسه العمارة تجاه بيئتها وثقافتها تتحقق الهوية المعمارية.

محمد الرافعي يقف في منطقة وسط بين تأثيرين أساسيين:

وانطلق من هاتين المدرستين ليؤسس مدرسته الخاصة:
مدرسة العمارة الصادقة – البيئية – المرتبطة بالهوية دون تكرار شكلي.

أما تلاميذه، فهم اليوم جيل واسع من:

للحصول على مزيد من المعلومات برجاء متابعى على المنصات التالية:

الفيسبوكhttps://www.facebook.com/profile.php?id=100088893776257

اليوتيوب: https://www.youtube.com/@ashrafrashad8031

التيك توك:https://www.tiktok.com/@ashraf.r1

الانستاجرام:https://www.instagram.com/ashraf.rashad.58/

المراجـــــــــــــــــع:

Exit mobile version